« مهرج يوم الزينة» قصة قصيرة للكاتب الدكتور محمد محي الدين أبو بيه

الكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه
الكاتب الدكتور محمد محي الدين أبوبيه

مرقت  بين الصفوف حتى وصلت إلى  صاحب النداء، فقد كان يصدح بأن الحاكم يأمر بتجهيز كل ساحر نفسه ويشحذ همته للمثول بين يديّه الأسبوع القادم،حيث يوم الزينة وستكون مواجهة عظيمة بين أذناب المعارضة وسحرة الفرعون

الواضح أن الأمر جلل، فالجائزة المعلنة كبيرة وسيكون كل ساحر له مكانة وحظوة لدى الفرعون سامية لا ينازعه فيها منازع

تفتق ذهني عن فكرة تبدو غريبة ولكن أعجبتني، حيث خططت أن أشارك بهذه الإحتفالية رغم أني لا أمتهن السحر ولا أحبه فقد عزمت على الذهاب لساحر بلدتنا الأول وإقناعه بضرورة وجود من يهون عليهم طريقهم الطويل إلى المدينة ولن يتحقق ذلك إلا بوجود ( مهرج) مثلي يحكي لهم قصص ويغني ويقوم بحركات بهلوانية تسليهم

كانت مفاجأة لي أن يقتنع الساحر الأول المسمى ( سمالوط) بفكرتي، بل يمتدحها ويأمر أيضا بإصطحاب مهرجين آخرين معه ولربما قدمنا عرضا راقصا أمام الفرعون؛ فتزداد غبطته وتعلى في نظره بلدتنا وينعم علينا من خيرات لا حصر لها.

جهزنا أنفسنا للسفر ويحدونا الأمل بالظفر في المعركة السحرية القادمة،وتنال عروضنا المُهرجة استحسان الفرعون وحاشيته فتكثر الغنائم ، ونصيب الهدف باعلاء شأن بلدتنا النائية.

بزغت شمس اليوم الموعود،الميدان مكتظ عن آخره بجموع البشر من كل حدب وصوب، كنت مذهولا ومشدوها، وعيناي زائغتان لا تدري أين تستقر فالبهرجة بكل مكان والألوان الفاقعة تخيم على الأرجاء، كرسي العرش الذي سيجلس عليه ( الفرعون) ضخم ومصنوع من الذهب الخالص، في صدر الميدان وحوله المئات من الحرس مفتولي العضلات وأجسامهم تنبئ عن قوتهم الفتاكة،وقد جلسنا نحن في ركن مخصص كما أمرنا الساحر ( سمالوط) فبعد أن تنتهي مباراتهم بالنصر العظيم ، سيحين موعد عرضنا أمام الفرعون كما أخبره رئيس المراسم الفرعونية.

حدثت نقاشات بين الفرعون والسحرة من جهة وزعيم المعارضة أو الوحيد الذي يوجد من ناحية أخرى، لمحت ساحرنا ( سمالوط) وقد رمى عصاه فتحولت إلى ثعبان ضخم  وكذلك فعل باقي السحرة فامتلأ الميدان بالعديد منها مما أدخل الرعب والهلع داخل قلبي وكدت أفر من مكاني ، وجاء الدور على الطرف الآخر الذي أبهرنا بثعبانه المبين وقد تلقف جميع الثعابين الأخرى، الذي أذهلني هو سقوط سمالوط ورفاقه ساجدين وانضمامهم للطرف الآخر.

اغتاظ الفرعون مما أقدم عليه جميع السحرة، وتغيرت أجواء الاحتفال وكأن السماء تلبدت بالغيوم وغابت الشمس الساطعة خلفها ، تحولت مظاهر الزينة والأهازيج لبركان غضب فائر من الفرعون وحاشيته ضد جميع السحرة متهما إياهم بالخيانة والتمرد وتحالفهم مع المعارضة وإن لم يتراجعوا عن موقفهم سينالهم العذاب المهين.

أشفقت على ساحرنا سمالوط وتمنيت أن ينسحب من صفوف زملائه السحرة، إلا أنهم جميعا صرخوا بصوت واحد( اقض ما أنت قاض لن نتزحزح عن موقفنا).

وكانت القاضية فقد قام فرعون بتعليقهم على جذوع النخل وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، انسابت الدموع من عيني ولكني أخفيتها خوفا من زبانية فرعون الذين احتجزونا وطلبوا منا الاستعداد لتقديم فقرتنا الاستعراضية.

 كيف سأتراقص وأغني وهناك مَنْ  مِن  أبناء جلدتي تنزف دماؤه وأشلاؤه  في كل مكان؟

اقترحت على من حولي من باقي المهرجين أن نرفض المشاركة بالعرض ونحاول الخروج والهرب بعيدا لكن هيهات فالجميع يفزع ويطمع ؛ يفزع من العقاب ويطمع في العطايا.

وجدتهم وقد ابتعدوا عني ، واندفعوا داخل الساحة، وبقيت وحيدا ، فنهشتني كلاب لا أعرف من أين أتت.